Archive TEMPLATE
التحديات التي يواجهها قطاع المعارض والمؤتمرات والمسؤولية المشتركة لتطويره
المعارض والمؤتمرات
عبد الرحمن بن عيد
سبتمبر 8, 2024

تلعب المعارض والمؤتمرات في المملكة العربية السعودية دورًا محوريًا في تعزيز البنية الاقتصادية والتجارية، إذ تسهم في نمو الاقتصاد المحلي وتعزيز التبادل المعرفي على المستويين الوطني والدولي. ومع النمو السريع الذي يشهده هذا القطاع، تبرز العديد من التحديات التي تتطلب اهتمامًا لضمان استمرارية نجاحه وتطوره.

استقبال 150 مليون سائح بحلول 2030 

أحد أبرز التحديات هو البنية التحتية والقطاع الخدمي. تسعى المملكة لاستقطاب 150  مليون سائح بحلول عام 2030م، ولتحقيق هذا الهدف الطموح، يجب أن يشهد قطاع المعارض والمؤتمرات توسعًا كبيرًا في عدد وأحجام مراكز المعارض والمؤتمرات، وكذلك تحديد الأماكن الجغرافية التي تستضيف هذه الفعاليات لضمان تجربة زائر فعالة وفريدة. على سبيل المثال، خلال معرض “ليب” بجميع نسخه في مدينة الرياض، نلحظ الارتفاع غير المنطقي في وقت الرحلة للمعرض بسبب الازدحام المروري، حتى مع وجود الحلول اللوجستية التي يقدمها منظمو المعرض. كما أدى أيضًا إلى ارتفاع ملحوظ في نسبة إشغال الفنادق التي بلغت99 % هذا يبرز الحاجة في مدينة الرياض إلى إنشاء مراكز للمعارض والمؤتمرات ومشاريع فندقية إضافية في العاصمة لمواكبة الطلب المتزايد على الفعاليات الدولية والإقليمية.

تواجه مدن أخرى مثل جدة تحديات مشابهة، حيث تُعد سعة الفنادق غير كافية لتلبية احتياجات الزوار المتزايدة خلال مواسم المعارض والمؤتمرات والفعاليات، إذ تصل نسبة إشغال الفنادق في جدة خلال موسم المعارض والمؤتمرات إلى أكثر من 90 % . رغم التقدم الكبير في مجالات النقل والإسكان والاتصالات، هناك حاجة ملحة إلى مزيد من الاستثمارات والتحسينات لضمان استيعاب الطلب المتزايد على قطاع تنظيم المعارض والمؤتمرات بما يتماشى مع احتياجات الفعاليات الكبرى، وخاصة التي تستهدف الزوار من خارج المملكة.

جذب جمهور واسع ومتنوع 

فيما يتعلق بالتسويق والترويج الدولي، يفتقر المنظمون الدوليون للمعارض والمؤتمرات غالبًا إلى المعلومات الكافية عن الفعاليات في المملكة كبيانات. هذا النقص في المعلومات يساهم بشكل كبير في تحديد قرار العارضين والمشاركين. لذلك يجب أن يُعتبر الترويج والتسويق المترابط إعلاميًا وإعلانيًا استثمارًا فعليًا في تحقيق الأهداف الاستراتيجية للأحداث والفعاليات، وألا يُنظر إليه كتكاليف فقط. الترويج الفعّال يسهم في تحقيق الوصول وترسيخ هوية الحدث وجذب الجمهور المستهدف.

توطين الوظائف ودعم البرامج التدريبية 

يتطلب نجاح هذا القطاع أيضًا استقطاب الكفاءات من جميع أنحاء العالم. حيث أن هذا القطاع ما زال في مراحله الأولى ولم يتم تأسيسه بشكل مستدام بعد، فإنه يفتقر إلى التخصصات المطلوبة التي تتكون بشكل كبير من خلال التجربة العملية. لذا، يجب التركيز على استقطاب الكفاءات العالمية وإنشاء البرامج المتخصصة التي تساهم في نقل المعرفة والتخصص للسعوديين المهتمين بالعمل في هذا القطاع لاكتساب الخبرة سواءً في الفعاليات الترفيهية أو السياحية أو الثقافية أو الاقتصادية والمؤتمرات والمعارض الدولية. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تشمل هذه البرامج التخطيط الاستراتيجي للمعارض والمؤتمرات بمختلف أشكالها وأحجامها، لضمان تأهيل الكوادر بشكل كافٍ لتنظيم المعارض والمؤتمرات وإدارة الفعاليات بكفاءة عالية يمكن توطينها في المستقبل القريب.

لقد كانت لي تجربة مميزة مؤخراً في برنامج القادة المقدم من هيئة الترفيه وبرنامج جودة الحياة. تم تقديم هذه الدورة بالتعاون مع المعهد الأوروبي لإدارة الأعمال (إنسياد – INSEAD)، والذي يعد من أبرز وأعرق كليات إدارة الأعمال في العالم. هذا البرنامج يمثل نموذجًا حيًا لتوطين الوظائف ودعم البرامج التدريبية في قطاع المعارض والمؤتمرات وإدارة الفعاليات المختلفة. هذا البرنامج يندرج تحت مبادرة صناع السعادة وهي أحد أبرز الأمثلة على المبادرات التي تهدف الى تطوير مهارات الأفراد في مجالات الفعاليات والترفيه. حيث يركز هذا البرنامج على تدريب الشباب والشابات السعوديين على مختلف جوانب صناعة الفعاليات، بما في ذلك التخطيط، التنظيم، التسويق، وإدارة الحشود، بالإضافة إلى إثراء التجربة الترفيهية للمشاركين والزوار.

شمل البرنامج الذي التحقت به عددًا من المواضيع الرئيسية مثل بناء الاستراتيجيات وتخطيط الابتكار والإبداع، مستندًا إلى منهجية علمية وعملية مستلهمة من دورات وبرامج (إنسياد). كما يوفر البرنامج فرصًا للتدريب العملي في الفعاليات الكبرى التي تُقام في المملكة، ويتيح للمشاركين زيارة أفضل وأحدث المراكز والشركات الرائدة في هذا المجال على مستوى العالم، مثل منتزهات ديزني وغيرها من المشاريع المميزة التي زارها متخرجي البرنامج في نسخه السابقة. هذه التجارب تمنح مشاركي البرنامج خبرة ميدانية حقيقية تساعدهم على النجاح في هذا المجال.

إضافة إلى ذلك، برنامج زمالة الترفيه هو جزء أساسي من مبادرة صناع السعادة، والذي يهدف إلى تمكين الكوادر السعودية من اكتساب المهارات والخبرات اللازمة للعمل في قطاع الترفيه. يتضمن البرنامج مزيجًا من التدريب النظري والعملي ويركز على تطوير الكفاءات في مختلف مجالات صناعة الترفيه، مما يساهم في خلق جيل جديد من القادة السعوديين القادرين على قيادة هذا القطاع نحو آفاق جديدة.

توحيد الجهود لإيجاد قطاع فعّال 

لتحقيق النجاح المستدام، تراهن المملكة على تفعيل استراتيجيات شاملة تتعامل بفعالية مع المستجدات والتنبؤ بما هو قادم. التعاون المشترك وتوحيد الجهود بين القطاعين الحكومي والخاص لتوفير تنظيم شامل مبني على معطيات فعلية وفعالة أساسها البيانات الدقيقة في هذا المجال لبناء قطاع مستدام له مستهدفاته، يضمن نموًا في المستقبل.

النهوض بقطاع المعارض والمؤتمرات يتطلب تضافر جهود جميع الأطراف ذات العلاقة. الهدف هو جعل هذا القطاع مصدرًا مهمًا لتنويع الإيرادات الوطنية وقيمة مضافة للناتج الإجمالي المحلي ورأس المال البشري، حيث أنه قائم بشكل أساسي على العقول. التنسيق التام بين الجهات المختلفة ضروري لإيجاد قطاع فعّال وتطوير صناعة المؤتمرات والمعارض وإدارة الفعاليات، ليكون لها تشريعاتها ولوائحها ونقلها إلى مستويات فعالة ومستدامة تساهم في تحقيق رؤية 2030 في تنويع مصادر الدخل وتعزيز الاقتصاد المحلي.

في الختام، أود التأكيد على أهمية هذا الحراك في تنظيم المعارض والمؤتمرات وإدارة الفعاليات. ما نشهده اليوم ليس مجرد نشاط مؤقت، بل فرصة ذهبية لتأسيس قطاع مستدام وتنافسي يمكن أن يحقق عوائد اقتصادية كبيرة على عدة أصعدة. من بينها، زيادة الاستثمار المحلي والأجنبي، خلق فرص عمل جديدة، تعزيز السياحة وزيادة الإنفاق السياحي، ودعم القطاعات ذات الصلة مثل الضيافة والنقل والخدمات اللوجستية. من الضروري استثمار الجهود والموارد في هذا القطاع، لضمان استمراريته وتعزيز تأثيره الإيجابي على الاقتصاد والمجتمع. دعونا نبني على هذا الزخم، لنحول هذا الحراك إلى ركيزة قوية لمستقبل مزدهر.

إقرأ أكثر

هذا الموقع يستخدم الكوكيز
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتزويدك بأفضل تجربة ممكنة. كما أنها تسمح لنا بتحليل سلوك المستخدم من أجل تحسين الموقع الإلكتروني لك باستمرار. عرض سياسة ملفات تعريف الارتباط